كلما انتعش النقاش عن وسط بيروت و شركة سوليدير يأتي من يذكرك بمحي الذاكرة الجماعية الذي من المفترض إن مشروع إعادة إعمار بيروت قد مارسه. الغريب إن مفاهيم كهذا تجد طريقها بسرعة إلى النخب و المثقفين و يصبح تردادها فعل إيمان من دون تدقيق أو نقد افتراضاتها المستوردة بأغلبها. و إذا تقاطعت هذه المفاهيم مع ما قد يبدو سطحيا انه مواجهة للاحتكار و الرأسمالية بوجهها المعاصر و مشاريع النخب الحاكمة زاد رواجها و اكتسبت أبعادا يبدو و كأنها تدخلها في مصاف النقاش السياسي العام. لكن قليل من التأمل كاف لقلب هذه المعادلة و كشف الأسس المُحافظة التي تدفعها.
فالذاكرة الجماعية كالمسؤولية الجماعية هي أسطورة تستمد جاذبيتها من كونها استعارة مغرية لكنها تستمد سلطتها عبر تكريس سلطة الماضي على الحاضر. نقد حنة آرندت لمفهوم المسؤولية الجماعية اظهر إنها بالحقيقة تناقض مفهوم المسؤولية بمعناه الأوسع فتحميل قوم مسؤولية أفعال لم يرتكبوها يعني بالمقابل إعفائهم من المسؤولية عن أفعالهم إذا ما ارتبط مفهوم المسؤولية بإرث خارج قدرة الأفراد و الجماعات على تغييره. و بالمثل فان مفهوم الذاكرة الجماعية، الذي يستحيل تحديدها و تبيان ملامحها لأنها فكرة مجردة لا مدخل إليها بالممارسة، هي إعادة إنتاج لسلطة الماضي على الحاضر هربا من مسؤولية النقد و الاشتباك و استشراف ملامح المستقبل. و يعود رواج هذا المفهوم جزئيا إلى الخلط بين كتابة التاريخ و التوثيق بأبسط أشكاله. فكتابة التاريخ فعل نقدي غالبا ما يعبر عن الحال الراهن أكثر بكثير مما يكشف عن الماضي. لذلك يهرب الكثير من اللبنانيين من مهمة معقدة كهذه نحو التوثيق الذي يبدو سهلا بالمقارنة و عملا روتينيا لا مجال لتلاعب الذاتية به. في أكثر أشكاله تطرفا يأخذ فعل التوثيق هذا شكل المحافظة على النسيج المدني و الأبنية التاريخية كما يحبذ المثقفون أن يحصل في وسط بيروت. لكن من قال إن الإرث العثماني أو الفرنسي هو أكثر بلاغة من مدينة ننتجها اليوم على صورة حاجاتنا و أهوائنا؟ التمسك بالذاكرة الجماعية، التي لم يتفق اللبنانيون عليها أبدا، هو تهرب من المسؤولية و من المهمة التاريخية التي يواجهها كل مجتمع بإنتاج ثقافة و عمران يمثلان طموحاته. قد لا يعجبنا تصميم سوليدير لكن نقده يتطلب حكما صورة مغايرة تستمد قوتها من الواقع و الطموحات لا الاستنجاد بالماضي و تسليطه حاكما على الحاضر و المستقبل. هذا تقاعس يعبر فقط عن ضحالة الرؤيا لدى النخب الثقافية.
فالذاكرة الجماعية كالمسؤولية الجماعية هي أسطورة تستمد جاذبيتها من كونها استعارة مغرية لكنها تستمد سلطتها عبر تكريس سلطة الماضي على الحاضر. نقد حنة آرندت لمفهوم المسؤولية الجماعية اظهر إنها بالحقيقة تناقض مفهوم المسؤولية بمعناه الأوسع فتحميل قوم مسؤولية أفعال لم يرتكبوها يعني بالمقابل إعفائهم من المسؤولية عن أفعالهم إذا ما ارتبط مفهوم المسؤولية بإرث خارج قدرة الأفراد و الجماعات على تغييره. و بالمثل فان مفهوم الذاكرة الجماعية، الذي يستحيل تحديدها و تبيان ملامحها لأنها فكرة مجردة لا مدخل إليها بالممارسة، هي إعادة إنتاج لسلطة الماضي على الحاضر هربا من مسؤولية النقد و الاشتباك و استشراف ملامح المستقبل. و يعود رواج هذا المفهوم جزئيا إلى الخلط بين كتابة التاريخ و التوثيق بأبسط أشكاله. فكتابة التاريخ فعل نقدي غالبا ما يعبر عن الحال الراهن أكثر بكثير مما يكشف عن الماضي. لذلك يهرب الكثير من اللبنانيين من مهمة معقدة كهذه نحو التوثيق الذي يبدو سهلا بالمقارنة و عملا روتينيا لا مجال لتلاعب الذاتية به. في أكثر أشكاله تطرفا يأخذ فعل التوثيق هذا شكل المحافظة على النسيج المدني و الأبنية التاريخية كما يحبذ المثقفون أن يحصل في وسط بيروت. لكن من قال إن الإرث العثماني أو الفرنسي هو أكثر بلاغة من مدينة ننتجها اليوم على صورة حاجاتنا و أهوائنا؟ التمسك بالذاكرة الجماعية، التي لم يتفق اللبنانيون عليها أبدا، هو تهرب من المسؤولية و من المهمة التاريخية التي يواجهها كل مجتمع بإنتاج ثقافة و عمران يمثلان طموحاته. قد لا يعجبنا تصميم سوليدير لكن نقده يتطلب حكما صورة مغايرة تستمد قوتها من الواقع و الطموحات لا الاستنجاد بالماضي و تسليطه حاكما على الحاضر و المستقبل. هذا تقاعس يعبر فقط عن ضحالة الرؤيا لدى النخب الثقافية.
No comments:
Post a Comment
Karl reMarks is a blog about Middle East politics and culture with a healthy dose of satire.
Note: only a member of this blog may post a comment.