بعد تقرير المر تي في البائس و العنصري عن الشارع الممتد من برج حمود إلى الدورة و الذي حمل عنوان <أحياء
في خطر> أكد عضو
تكتل "التغيير والإصلاح" النائب هاغوب بقرادونيان بداية حملة منظمة لطردالعمال الجانب من المنطقة، مدافعا عن هذا الإجراء التعسفي و مدعيا إن سكن هؤلاء
العمال هناك < أوجد مشاكل منذ مدة غير قصيرة وممارسات غير لائقة ولاأخلاقية
وبعيدة عن الآداب العامة>. ردد بقرادونيان بعض ما جاء في تقرير المر تي في من تعميمات لا منطقية و
خطاب إكزينوفوبي ربط المشاكل الأمنية حصرا بتواجد العمال الأجانب في المنطقة. و الأسوأ
من ذلك ان بقرادونيان كان يرد على اتهام بان بلدية برج
حمود استهدفت السكان الاكراد السوريين تحديدا لتظاهرهم ضد النظام السوري، موضحا
بان الطرد شمل جنسيات مختلفة. لا شك أن هناك صلة وثيقة بين تقرير المحطة التي،
للمفارقة، طالما اعتبرت نفسها في صفوف المدافعين عن الحريات و إجراءات الطرد التي
تتم بشكل غير قانوني نظرا لأنها تمت عبر ضغوط على المالكين لعدم تجديد عقود الإيجار،
لا عبر تطبيق قوانين محددة.
رغم رداءة تقرير المر تي في إلا انه عبر عن تذمر السكان يشكل
واضح، لكن التدقيق النقدي بمحتوى هذا التقرير يبين فئتين مختلفتين من الشكاوى:
مجموعة عبرت فقط عن تذمرها من الوضع الأمني و
مجموعة أخرى أطلقت العنان لخيالها العنصري فخلطت بين المشاكل الأمنية و
تواجد العمال الأجانب و من ثم إلى <مختلف أنواع الشذوذ> بلغة البرنامج الهستيرية
و الأخلاقوية. لا شك إن الجانب الأمني يعود بالدرجة الأولى إلى عدم كفاءة الأجهزة الأمنية
و عدم قدرتها على ممارسة ابسط مهامها، لكن يبدو انه من الأسهل لوم العمال الأجانب
و استخدام هذه اللغة المثيرة لشيطنتهم عوضا عن تسليط الضوء على هذا التقاعس الأمني.
المفارقة إن تواجد العمال الأجانب في هذه المنطقة أنتج إحدى أكثر مناطق بيروت كوزموبوليتانية و أعطاها نكهة مميزة باتت تشبه أحياء أوروبية و أمريكية
تزخر بالوافدين من مختلف أنحاء العالم.
لكن المفارقة الكبرى تكمن في استهداف الوفدين في منطقة احتضنت
تاريخيا الكثير من اللاجئين أبرزهم طبعا الأرمن الذين أعطوا برج حمود طابعها الخاص
و أنتجوا حيويتها التجارية و الثقافية. تمثل عملية طرد العمال الأجانب من برج حمود
تهجما على اندماج الأرمن في المجتمع اللبناني و محاولة لإبقاء سلطة ممثليهم
الطائفيين وسيلة تخاطبهم الوحيدة مع المجتمع و الدولة اللبنانيين. فيجري تصوير
عملية <التنظيف السكاني> هذه كأنها
استجابة لإرادة شعبية و تحديدا من قبل السكان الأرمن رغم أنها في الحقيقة إجراء تعسفي
من قبل سلطة تتصرف كأنها تدير إمارة طائفية لا إدارة بلدية محلية الطابع. و من المهم الالتفات
إلى أن طرد العمال الأجانب من برج حمود ليس حدثا فريدا بل يشكل جزءا من سياسات ديموغرافية تقوم الأحزاب و التيارات الطائفية بتطبيقها من
خارج إطار الدولة و عبر آليات محلية من خلال البلديات التي تسيطر عليها.
ابرز مظاهر السياسات الديموغرافية هذه الاتفاق شبه المعلن
بين حزب الله و التيار الوطني الحر لحد التملك العقاري الشيعي في المناطق ذات الأغلبية
المسيحية التي يمثلها التيار انتخابيا. يمثل هذا الاتفاق، كما طرد العمال الأجانب
من مساكنهم، جزئا من ظاهرة ازدياد سلطة الطوائف على حساب سلطة الدولة و تعبيرا عن
وهنها المتزايد. لكن من الخطأ حصر هذه الظاهرة بأحزاب 8 آذار فقط، فهي تشكل تعبيرا
اشمل عن ضعف هيكلي يصيب علاقة النظام الطائفي بالدولة و يؤدي إلى تزايد سلطة
مكوناته الطائفية. عليه ينبغي التصدي لعملية الطرد هذه ليس فقط من منطلق التضامن الإنساني
مع العمال الأجانب بل أيضا لمواجهة هذا التسلط الطائفي على مقومات الدولة و خصوصا
السلطات البلدية و المحلية و استعمالها بشكل فوق قانوني.
طرد العمال الأجانب
هو <حل> طائفي بامتياز، يزدري القوانين و يستند على خطاب عنصري لتبرير
تجاوزات تبيحها السلطة الطائفية لنفسها. لا شك إن العديد من الذين من السكان الذين
أظهرهم تقرير المر
تي في عبروا عن منطق عنصري واضح تعدى مشاكل معينة إلى تعبير عن كرههم للعمال الأجانب
بسبب اختلافهم. لا يمكن تجاهل الرابط بين قرار طرد العمال و هذا الخطاب المتخلف و
المتعصب و لا يمكن السكوت عن هذا الضرب من الاعتباطية في التصرف مع فئات تعاني أصلا
من الكثير من التمييز و لا تتمتع بأدنى الحقوق المدنية. يكفي تعبيرا عن ذلك إن
معدي تقرير المر تي في لم يقابلوا شخصا واحدا من العمال أو العاملات الأجانب، و قاوموا
بتصويرهم من مسافة بعيدة لتجريدهم من إنسانيتهم. هذا الإقصاء الرمزي أنتج إقصاء
جسدي و تعسفي لا يجب السكوت عنه.
الموضوع ممتاز وتحية للكاتبة و قد نشرتع على مدونتي \ لبنان أولا و هويتي دوما
ReplyDelete